ستقوم “نانسي بيلوسي” رئيسة الكونغريس بجولة في آسيا مبرمجة بذلك زيارتها لتايوان، وبهذا القرار ستكون أول وأعلى مسؤول امريكي في جهاز الدولة يزور الجزيرة منذ 25 عاما مضت.
فرغم اعتراض وتحذير دولة الصين للدعم المتزايد لتايوان ومن القيام بزيارة أي مسؤول امريكي، فان الولايات المتحدة الامريكية عازمة ان تدخل الصراع مع بكين من بابه الواسع.
لحسن الحظ، لم تتبن حكومة الصين اي مسار متهور، ومع ذلك، حذرت من “عواقب وخيمة” على العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية إذا تمت الزيارة.
يبقى أن نرى مدى خطورة هذه العواقب، لكن من الواضح أن زيارة بيلوسي قد فاقمت التوترات السيئة بالفعل في العلاقات الثنائية.
في هذا السياق وبعدما ارتكب المسؤولون الامريكيون، خطأ هجوم روسيا على اوكرانيا، ها هم اليوم يرتكبون نفس الخطأ في ما يتعلق بقضية تايوان.
الكل يعرف أهمية “تايوان” كموقع استراتيجي وحيوي لجمهورية الصين الشعبية مثلما تمثل أوكرانيا مصلحة حيوية بالنسبة لروسيا.
لذلك تحتاج واشنطن إلى أن تأخذ تحذيرات جمهورية الصين الشعبية المتصاعدة بشأن تدخل القوى الخارجية في تايوان بجدية أكبر.
فتجاهل المسؤولون الأميركيون في أربع إدارات تحذيرات موسكو الموجهة بشكل متزايد لكي نشهد النتائج المأساوية في الحرب الروسية الاوكرانية.
فالمرجح أن تستخدم الصين القوة العسكرية للدفاع عن مصلحة حيوية للأمن القومي مثلما فعلت روسيا لصد التدخل الأميركي في أوكرانيا.
فرغم كل هذا ومن خلال قراءة متانية للمسلسل الديمقراطي التي تعيشه التايوان نلاحظ ان الناخبون التايوانيون صدموا بكين في عام 2016 بانتخاب “تساي إنغ وين” من الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال رئيسًا، ومنح الحزب الديمقراطي التقدمي السيطرة على الهيئة التشريعية لأول مرة.
رغم ذلك عمل قادة جمهورية الصين الشعبية مع خلف “تساي انغ وين”، “ما ينج جيو”، من حزب “الكومينتانغ” الأكثر اعتدالًا لإقامة علاقات اقتصادية ثنائية واسعة النطاق، تهدف بكين إلى إظهار التايوانيين أن التعاون الوثيق من شأنه أن يمنح فوائد مهمة ويمهد الطريق لإعادة التوحيد في نهاية المطاف بموجب صيغة “دولة واحدة ونظامان” التي اقترحتها جمهورية الصين الشعبية.
لكن هذه الاستراتيجية مع “ماينج جيو” فشلت أشارت انتخابات وأعادت انتخاب تساي في عام 2020 رغم حملة قمع وحشية شنتها بكين في هونغ كونغ.
فرغم أن “تساي” ليست من المتحمسين للاستقلال، فإن إدارتها ضغطت في ما يتعلق بالاستقلال الفعلي للجزيرة للحصول على مكانة دولية أكبر. وأصبحت العناصر المؤيدة لتايوان في الحكومة الأميركية مؤيدين أكثر حماسة لجهودها. في عام 2018، أقر الكونغرس قانون السفر في تايوان، ما عكس سياسة استمرت 4 عقود وأجاز اجتماعات بين كبار المسؤولين الأميركيين ونظرائهم التايوانيين. بعد ذلك التقى مستشار الأمن القومي جون بولتون مع الأمين العام لمجلس الأمن القومي التايواني، “ديفيد لي”، خلال زيارة الأخير إلى واشنطن في مايو 2019.
وعليه أصبح دعم الولايات المتحدة لتايوان أكثر وضوحًا خلال إدارة “دونالد ترمب”، مما زاد من تحذيرات الصين من أن سلوك واشنطن غير مقبول.
وزادت نبرة الاحتجاجات عندما بدأ المزيد من المسؤولين على مستوى مجلس الوزراء في زيارة الجزيرة. تصاعد الغضب أيضًا بشأن مبيعات الأسلحة الأميركية الجديدة إلى “تايبيه” التي بدت وكأنها تتجاوز “الأسلحة الدفاعية” التي سمح بها قانون علاقات تايوان لعام 1979 الذي أقره الكونغرس الأميركي عندما نقلت واشنطن العلاقات الدبلوماسية الرسمية من تايبيه إلى بكين. كما تصاعدت شكوك جمهورية الصين الشعبية وسخطها بشأن نوايا الولايات المتحدة، حيث زادت الولايات المتحدة من وجودها البحري وقامت السفن الحربية الأميركية بمرور استفزازي متكرر عبر مضيق تايوان.
لقد أصبحت احتجاجات الصين حادة بشكل متزايد مع كل تصعيد أميركي. ففي نوفمبر 2021، حذرت وزارة الدفاع بشكل قاطع من أن محاولات القادة التايوانيين لجعل الجزيرة مستقلة، و “التدخل الخارجي” لدعم مثل هذه الطموحات، قد يعني الحرب.
كالعادة، كان رد المسؤولين الأميركيين مبهرجًا بشكل صادم حيث صرح المتحدث باسم البنتاغون، “جون كيربي”، أن البنتاغون لا يرى سببًا يجعل التوترات حول تايوان تؤدي إلى أي شيء مثل المواجهة”
تحذير الرئيس “شي جين بينغ” عشية زيارة “بيلوسي” من أن الولايات المتحدة يجب ألا “تلعب بالنار” في ما يتعلق بتايوان وأن أولئك الذين يصرون على القيام بذلك “سوف يموتون بسببها”، يجب أن يردّ نخبة السياسة الخارجية الأميركية عن تهاونها.
ويذكرنا موقف المواجهة المتزايدة لجمهورية الصين الشعبية بموقف روسيا المتشدد والمطالبة بضمانات الأمن الغربية في ما يتعلق بأوكرانيا في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022. وكذلك نشر بكين المتزايد للقوات الجوية والبحرية بالقرب من تايوان. ربما لا تريد الصين حربًا مع الولايات المتحدة، لكن مثلما كانت روسيا مستعدة للقتال لصد تهديد لمصالحها الحيوية في أوكرانيا، من المحتمل أن تختار الصين هذا المسار كملاذ أخير فيما يتعلق بتايوان.
لذلك فمن الضروري للمسؤولين الأمريكيين المكلفين بالسياسة الخارجية أن يدركوا أن بكين لا تخادع ، وان إساءة الإدارة للسياسة الخارجية باتخاذهم تلك القرارات الرعناء سيخلقون منطقة حربا جديدة والعالم يحاول اقبار كل الفتن والاضطرابات من اجل السلم العالمي..
مشاركة فيسبوك تويتر واتساب
تعليقات الزوار ( 0 )