الحجث24.سليمان بنعبدالله
حذر صندوق النقد الدولي من أن فيروس كورونا سيتسبب في “ضرر دائم” لمستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم، وأن أي تعاف من المحتمل أن يكون “طويلا وغير منتظم وغير مؤكد.
مع ذلك، التوقعات الصادرة هذا الأسبوع مختلفة تماما. يعتقد صندوق النقد الدولي الآن أنه بحلول 2024 من المرجح أن يكون الاقتصاد الأمريكي أقوى مما كان متوقعا قبل الوباء. وبالنسبة لمعظم الاقتصادات المتقدمة، لن تكون هناك سوى ندوب محدودة من الأزمة.
مثل هذا التحول الإيجابي في الآفاق الاقتصادية العالمية في غضون ستة أشهر فقط أمر نادر للغاية. وهو يعزز المزاج المتفائل في اجتماعات الربيع الافتراضية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، على الرغم من أن الجميع يعلم أن الوباء لم ينته بعد. الرأي المتفق عليه هو أنه من خلال وضع وتطبيق السياسات الصحيحة، يمكن للعالم التغلب على كوفيد – 19. روح جديدة من التعاون الدولي قد تؤدي حتى إلى حل النزاعات الطويلة الأمد حول قضايا شائكة مثل فرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات في عالم معولم – وهي قضية تتبناها إدارة بايدن الآن.
ليست كل الأمور في الاقتصاد العالمي وردية بالطبع. وسط التفاؤل الجديد، هناك قلق أيضا من أن بعض الدول الفقيرة وبعض الأشخاص داخل الدول الغنية لن ينالهم نصيب من تحسن الآفاق. فيما أصبح شيئا من التقاليد، هذا الأسبوع.
تمثل الاقتصادات المتقدمة، خاصة الولايات المتحدة، الضوء في العالم. أكتوبر الماضي، تم تعديل التقييمات الاقتصادية للدول الغنية بشكل كبير إلى الأعلى. ويستند التحول الملحوظ إلى ثلاث قوى لم يكن من السهل رؤية أي منها في الخريف
الأولى هي أن الدول تكيفت بشكل أفضل بكثير مما كان متوقعا مع عمليات الإغلاق والقيود والتباعد الاجتماعي في الموجة الثانية من الفيروس مقارنة بالموجة الأولى. بدلا من تكرار الانخفاض بنسب من خانتين في الناتج في الربع الثاني من 2020، تكيفت الأسر والشركات جيدا، وتعلمت العمل بشكل أكثر فاعلية من المنزل، والتسوق عبر الإنترنت، والاستمتاع بالمساعي الترفيهية رقميا.
ولأن معظم الدول لديها تعديلات تصاعدية للبيانات بخصوص البيانات الاقتصادية في النصف الثاني من 2020 وبداية 2021، كانت نقطة البداية لتوقعات الاقتصادات المتقدمة أفضل بكثير مما كان يخشى.
كان التعزيز الثاني للأداء الاقتصادي هو رغبة وقدرة أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان على استخدام قوة الحكومة لدعم الدخول خلال الأزمة حتى عندما لا يتمكن الناس من الذهاب إلى العمل. ساعدت البنوك المركزية في الزيادات الهائلة في مشتريات السندات الحكومية، ما سهل الاستخدام الموسع للسياسة المالية خلال الأزمة.
قالت جورجيفا: “من دون تلك الإجراءات المالية والنقدية، لكان الانكماش العالمي العام الماضي أسوأ ثلاث مرات”. كان من الممكن أن يكون هذا نسخة أخرى من الكساد العظيم
القوة الثالثة وراء رفع التوقعات لم تكن لها علاقة بالاقتصاد، وإنما بقدرة العلم على تقديم لقاحات فعالة تشير إلى طريق العودة نحو مزيد من الحياة الطبيعية في الأعوام المقبلة.
في أوروبا، الشكوك حول سلامة لقاح أسترا زينيكا والتنفيذ الفوضوي لعمليات التطعيم قد يؤديان إلى إعاقة اقتصاداتها في 2021، لكن من غير المرجح أن يتسبب ذلك في أضرار دائمة كبيرة، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي.
هذه التحسينات في الآفاق مجتمعة أدت إلى أن يتنبأ الصندوق بأن الاقتصادات المتقدمة ككل في طريقـــها لخسارة أقل مـــن 1 في المائة من الناتج بحلول 2024 مقارنة بتوقعاته السابقة للوباء – وهي نتيجة بدت بالكاد معقولة في أكتوبر الماضي. الولايات المتحدة في الصدارة ولديها الآن توقعات تظهرها على مسار أقوى مما كانت عليه قبل الوباء، لكن الاقتصادات المتقدمة الأخرى ليست بعيدة على مســـــافة كبيرة على المدى المتوسط.
لكن التوقعات المالية تظهر بعد ذلك استقرار مستويات الديون، حيث ترتفع فقط إلى 105.7 في المائة بحلول 2026 مع استعادة الاقتصادات مكاسبها المفقودة. على عكس ما حدث في العقد الأول من القرن الـ21، ليس من المتوقع أن تكون هناك حاجة إلى التقشف أو الزيادات الضريبية لإصلاح المالية العامة في هذه الأزمة. بدلا من ذلك، قال صندوق النقد الدولي إن أي زيادات ضريبية ينبغي أن تكون على الأغنياء والشركات التي ازدهرت لإظهار “التضامن” مع الذين لم يحالفهم الحظ.
وينعكس التفاؤل في التوقعات الاقتصادية على أسواق الأسهم في الاقتصادات المتقدمة، حيث دفع كثيرا منها إلى ارتفاعات جديدة الأسبوع الماضي. كما أن صحة هذا التفاؤل تؤيدها بشكل متزايد بيانات اقتصادية قوية. ففي شهر مارس وصلت مؤشرات مديري المشتريات العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ ستة أعوام، ما يسلط الضوء على اقتصاد عالمي “قوي” يظهر “المرونة” في كل من قطاعي التصنيع والخدمـات، وفقا “لجيمس بوميروي”، الاقتصادي العالمي في إتش إس بي سي.
لكن رغم كل الأخبار السارة، من المهم أن نتذكر أن هذه البيانات الخاصة بالاقتصادات المتقدمة بعيدة كل البعد عن القصة العالمية بأكملها. أصبحت الاقتصادات الناشئة تشكل نصيبا أكبر من إجمالي الناتج العالمي خلال الأزمة المالية 2008-2009 وهي الآن تمثل 58 في المائة من الاقتصاد العالمي، وفقا لصندوق النقد الدولي. في دول الأسواق الناشئة، باستثناء الصين، أزمة فيروس كورونا ضربت الاقتصادات بشدة. وأدى هذا إلى تأخير لحاقها بمستويات المعيشة في العالم المتقدم ووضعها على مسار نمو أبطأ بكثير مما كان متوقعا قبل الوباء.
الانتكاسات الاقتصادية في الأسواق الناشئة تثير دائما المخاوف من أزمات الديون وهروب رأس المال، خاصة إذا تعافت الاقتصادات المتقدمة من الأزمة بسرعة بحيث تضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر مما كان متوقعا للتعامل مع الضغوط التضخمية الناشئة. يشعر روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، الذي يمثل أكبر البنوك في العالم، بالقلق من أنه مع استمرار البيانات من الاقتصادات المتقدمة في تجاوز التوقعات، فإن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والدول الأخرى سترتفع، ما يؤدي إلى نزوح جماعي للأموال وضغط متزايد على الاقتصادات الناشئة.
على الرغم من أن أساسياتها أقوى مما كانت عليه في 2013 ـ المرة الأخيرة التي حدثت فيها هذه العملية ـ من المحتمل أن تؤدي الآفاق المتحسنة في الاقتصادات المتقدمة إلى الضغط على التدفقات المالية إلى الاقتصادات النامية، خاصة تركيا والبرازيل وكولومبيا. يقول بروكس: “الأسواق الناشئة لم تخرج بعد من مرحلة الخطر”.
لكن لا يزال هناك أيضا خوف مزعج من أن العالم بشكل عام ربما أصبح الآن شديد التفاؤل فوق الحد – تماما كما كان متشائما للغاية قبل ستة أشهر.
مع وجود متحورات جديدة للفيروس من المحتمل أن تحد من فعالية اللقاحات وتتطلب لقاحات محدثة بشكل متكرر، والتطبيق الذي يفتقر إلى الكفاءة لعمليات التطعيم في بعض الاقتصادات المتقدمة، والوصول المتواضع للقاحات في معظم الاقتصادات الناشئة، قد تصبح التوقعات قريبا أكثر عرضة للمتاعب مرة أخرى، فيما يصفه بحث جديد من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بأنه “عصر الجائحة”.
يقول آدم بوزن، رئيس معهد بيترسون: “في مثل هذا العصر، التعاون في السياسة الاقتصادية والصحية ليس ترفا أو حلما مثاليا. إنه ضرورة”.
يقول إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في يوني كريديت، إن الخطر الرئيس لا يزال هو الفيروس والمتحورات المحتملة. “لم ننته من ذلك حتى الآن ولا بد أن يكون ذلك مخاطرة كبيرة للغاية.” كما أنه قلق من أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي في تشديد السياسة النقدية في وقت مبكر قبل فوات الأوان وأن التوترات التجارية، خاصة مع الصين، قد تندلع مرة أخرى.
توقيت الخروج من دعم أزمة فيروس كورونا هو بالصعوبة نفسها. لذلك، في حين أن الاتجاه العام للسفر كان إيجابيا لمدة ستة أشهر، إلا أن الاقتصاد العالمي يظل إلى حد بعيد مكانا يحوطه اللبس ومحفوفا بالمخاطر في الوقت الذي يخرج فيه من الوباء.
تعليقات الزوار ( 0 )