نبأبريس.ب.سليمان
ارتفاع وانخفاض قيمة عملات بعض الدول، يلفت أنظار العديد من المتابعين لتجارب الدول الاقتصادية، الناجحة منها وغير الناجحة. فالآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على صعود وهبوط العملات المحلية، أطاحت بحكومات، وتهدد عروش حكومات أخرى.
هناك دول كبيرة اقتصاديا ولكن عملتها منخفضة، ودول تعد صاحبة اقتصادات صغيرة وعملتها مرتفعة، ووراء ذلك دوافع اقتصادية بعضها إيجابي وبعضها سلبي. وحتى نضع بين يدي القارئ صورة لهذا الأداء الذي يثير العديد من التساؤلات، رأينا أن من المناسب أن نتناول الأمر من خلال طرح مجموعة من الأسئلة والإجابة عنها.
بالطبع، هذه الأسئلة تتناول تلك العملات التي يتحدد سعرها وفق آليات العرض والطلب، سواء كان ذلك بشكل كلي أو جزئي، أما العملات التي يتحدد سعرها وفق قرارات إدارية، فهي ليست محل تناول هذا التحليل.
وتكتسب عملة أي دولة قيمتها من قوتها الاقتصادية والسياسية، ولعل تصدر الدولار منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن العملات القوية في العالم، يرجع إلى المكانة التي اكتسبتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، وخروج كثير من الدول الأوروبية مدينة من هذه الحرب لأميركا.
وعندما تم تأسيس مؤسستي البنك والصندوق الدوليين، ونوقشت قضية ضرورة وجود عملة لها قبول لتسوية المعاملات المالية والتجارية الدولية، طرحت أميركا عملتها نظرا لغطائها الذهبي، واستعداد أميركا في ذلك الوقت لدفع قيمة أي دولار يصدر من خزانتها العامة بما يعادله من الذهب.
عندئذ قبل العالم بالدولار عملة دولية إلى جوار بعض العملات الأوروبية الأخرى، إلا أن الدولار أصبح العملة الرئيسة في السوق الدولية.
وبعد عام 1971، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون تخلي بلاده عن قاعدة الذهب، وأن قيمة الدولار مستمدة من الناتج المحلي الأميركي، وأن أي دولار في السوق تقابله سلع وخدمات يمكن لحائز الدولار أن يحصل عليها من السوق الأميركية.
إلا أن ثقة كثير من الدول في صلاحية الدولار عملة رئيسة لتسوية المعاملات التجارية والمالية الدولية، تعرضت للخطر بشكل كبير بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، ومن هنا طالبت بعض الدول بالبحث عن عملة بديلة للدولار، وهو ما اعتبرته أميركا حربا عليها وعارضته بشدة في اجتماعات مجموعة العشرين التي أعقبت الأزمة المالية العالمية عام 2008.
لذلك لا بد من أن نفرق بين تراجع قيمة العملة وانهيارها، فتراجع قيمة العملة قد يكون لعوامل طارئة، أو نتيجة عوامل يفرضها الواقع من خلال ضعف الأداء الاقتصادي للبلاد تجاه العالم الخارجي، ويمكن أن يكون تراجع قيمة العملة مخططا له من أجل تحقيق أهداف اقتصادية لمصالح البلاد.
أما انهيار العملة، فيتحقق في حالات عدة، منها:
- هزيمة البلاد في حروب.
– عدم الاستقرار السياسي والأمني، وهي حالات مشاهدة في وضع العراق واليمن وسوريا ولبنان والسودان والصومال وغيرها.
- – فشل السياسة الاقتصادية في كبح التضخم
- – اعتماد البلاد بشكل كبير على الاستيراد، دون وجود صادرات تكافئ الطلب على الدولار للوفاء باحتياجات الواردات.
- تورط البلاد في مديونيات خارجية، وعجز الحكومة عن الوفاء بها.
وخلاصة الأمر، أن مفهوم انهيار قيمة عملة ما، هو تراجع قوتها الشرائية، بحيث يفقد الناس الثقة بها، ويتجهون للتعامل بالعملات الأجنبية، بيعا وشراء، بل حتى في مدخراتهم.
لذلك هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى انهيار العملات، منها ما يتعلق بجوانب سياسية، أو اقتصادية.
ما العملات الأغلى في العالم؟
يعد الدولار مقياس قوة غلاء أو رخص عملات الدول الأخرى. وبحسب أسعار الصرف المتاحة على قاعدة بيانات البنك الدولي عن عام 2020، نجد أن هناك عملات لدول في غالبيتها صغيرة، مثل دول الخليج أو دول أفريقية وآسيوية صغيرة، تحتل صدارة قائمة العملات الأغلى في العالم، كما أن هناك على الجانب الآخر كيانات قوية اقتصاديا وعملتها تحتل مرتبة متقدمة كذلك من حيث قيمتها بالنسبة للدولار، مثل اليورو عملة الاتحاد الأوروبي، والجنيه الإسترليني عملة المملكة المتحدة، والفرنك السويسري.
وتظل “الفوركس” هي بورصة لتبادل العملات الرئيسة -الدولار، اليورو، الين الياباني، الجنيه الإسترليني، اليوان الصيني، وعملات أخرى لها مراكز اقتصادية قوية، مثل الفرنك السويسري، والدولار الأسترالي وغيرها- بشكل فوري، ويتم التعامل فيها عبر المعاملات الإلكترونية، وتعد من أبرز صور المضاربة على العملات، وتفعل فيها كثير من آليات بورصة الأسهم والسندات، من حيث تقديم القروض للمتعاملين أو عملية التسويات بين البائعين والمشترين.
وتتضرر اقتصادات الدول النامية من تعامل مواطنيها في هذه الأسواق، بسبب نزوح أموال أبنائها من الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي في أسواق السلع والخدمات، إلى المضاربة على العملات بغية الحصول على الربح السريع في أسواق “فوركس”.
وثمة شبهات تحوم حول بعض الأموال التي تستخدم في هذه السوق، بغية عمليات تبييض الأموال، كما أن “فوركس” من أبرز صور الأموال الساخنة التي تربك بعض الدول، من خلال دخولها وخروجها من حسابات الأفراد والمؤسسات العاملة في هذه السوق.
مشاركة فيسبوك تويتر واتساب
تعليقات الزوار ( 0 )